28.8.23

قصة الفراشة الزرقاء


بقلم السفير محمد يوستش

سيظل العدوان على البوسنة والهرسك في الفترة من 1992 إلى 1995، عالقا في الضمير ، منحوتا في صفحات التاريخ ، تتذكره الليالي والأيام ، فالذاكرة الجريحة لا تموت بل تتعافى ليأخذ العدل مجراه مهما طال ليل الظلم وأوهمنا النسيان بذلك ..

فما زالت الذكرى تحوم بكل شيء ، بالأرض والسماء ، بالمكان والزمان، أشخاصها ضحكاتها دمعاتها أفراحها أحزانها آمنياتها آمالها بيوتها أبوابها أشجارها  .

فقد ألقى جيش الصرب آلاف القتلى من البوشناق المسلمين في مقابر جماعية . وخلال جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة في سريبرينيتسا وما حولها، قاموا  بتنقيل الجثمان بين مقابر جماعية عدة في محاولة لإخفاء جريمتهم.

ومنهم من ينكر هذه الجرائم حتى اليوم ، رغم أنه حتى مع مرور السنين وتتابع الأيام يتم العثور على عظام ضحية واحدة في أكثر من مقابر جماعية .

والمتأمل في مقبرة الشهداء في سريبرينيتسا، يجد أنه حتى يومنا هذا يتم دفن رفات الضحايا المدنيين من شيوخ وفتيان الذين عثر على عظامهم في ثلاثة أو أربعة مقابر مختلفة.

لكن كما قيل:

 مهما طال الباطل ..

‏ومهما غاب الحق ..

‏فلا بد للحق ان يظهر ويعلو .. ولو بعد حين ..ولو بطريقة عجيبة.

فالكون يكره المعتدين ...

والأرض تغضب للقهر والتعذيب ...

والسماء تلعن الظلم والظالمين والطغيان ...

وكل ما في الوجود يبحث عن العدل والعدالة والأمن والأمان ...

وجنود ربك لا يعلمها إلا هو سبحانه فهو الملك الخالق المدبر ...

والله أكبر من كل شيء ...

القصة تبدأ مع سكان القرى الذين عادوا إلى مدنهم بعد الحرب ، ومع أعضاء اللجنة الحكومية للبحث عن المفقودين و كيف اكتشفوا أماكن المقابر الجماعية المخفية بطريقة غير عادية.

اكتشفوا تلك المقابر والقاتل في غيه وجبروته يظن أنه لن يُعرف ولن يَقدِر عليه أحد ..

ولكن نسي القاتل والظالم والطاغية أن الله بالمرصاد  "وما يعلم جنود ربك إلا هو "

فقد أرسل الله مخلوقا صغير الحجم ، ضعيف الجسم ، جميل الشكل ، أزرق اللون ، يدلهم على أماكن المقابر الجماعية .

من كان يصدق أن فراشة تدل على كارثة وتفضح المجرمين ...

ومن كان يصدق أن النباتات ستكون علامة وشاهدة على كشف الجريمة المنكرة ...

هذه الفراشة الزرقاء وهي من الأنواع النادرة في البوسنة ولا تظهر إلا في أماكن تتوفر فيها بيئات مناسبة لها مثل موطن الشيح البري.

فهناك أعشاب تنمو على التربة الغنية بالمعادن الخاصة النادرة في البوسنة.

ونتيجة لذلك ، بدأ هذا النبات ينمو في مواقع المقابر الجماعية فقط ، ويجلب معه مستعمرات الفراشة الزرقاء النادرة.

و هنا تتبع المحققون وأسر الضحايا الفراشات الزرقاء التي كانت تدلهم  على رفات الضحايا الأبرياء.

من ظن أن الحق لن ينتصر وأن الباطل لن يُهزم فقد أساء الظن بالله وبوعده (وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ  لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) سورة الأنفال .